تقديم الشيخ زهير لرسالة: عمرو بن العاص أنموذج للتأسي من المجلد التاسع/ ص2-7

تقديم الشيخ زهير لرسالة: عمرو بن العاص أنموذج للتأسي من المجلد التاسع/ ص2-7

  • Jan 21, 2025
  • بواسطة Omar Abid
  • 0 تعليق

قال تعالى: ( قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا )(الحجرات:14).
وقال سيدنا رسول الله ﷺ : «أَسْلَمَ النَّاسُ وَآمَنَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ»..
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونشهد ألا إله إلا الله وحده، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله ﷺ.
وبعد:
فإن عظماء الناس تتباين منازلهم، ولا يمكن أن يكونوا على نمط واحد؛ لأن الله جل شأنه خلقهم أطواراً شيئاً بعد شيء في كل أمورهم، وكل ميسر لما خلق له، ووزع على عبيده ما امتاز به كل واحد منهم من: خلق، وقدرات، وقوة، وضعف، سواء مما نشاهده في أجسامهم، ومما خفي علينا من مكنونات نفوسهم، وما تحوي صدورهم.
فالله سبحانه وتعالى جعل في أبناء جيل النبوة صفات وقدرات، كانت بأمر الله (فوق ما عرفنا في كل الناس – غير ما اختص به الأنبياء والرسل وحدهم فقط- صلوات الله عليهم أجمعين).
لقد كان أصحاب النبي ﷺ أكثر من مائة ألف تقريباً، ووجدنا فيهم عدداً من الأصحاب الذين اختصهم الله بصفات نادرات: بعقولهم، وقدرات أجسامهم، ومن امتازوا بأفضال متعددة، وضعها الله فيهم، ما قارب عددهم الآلاف القليلة من الرجال والنساء، وكان من هؤلاء:
أبو بكر الصديق، وعمر الفاروق، وعثمان ذي النورين زوج بنتي النبي ﷺ، وعلي زوج فاطمة الزهراء، والزبير، وأبو عبيدة، وأبو سفيان، ومعاوية، وخالد بن الوليد، والحسين بن علي، وغيرهم، ومن بشَّر رسول الله بالجنة في أحاديث متعددة وأمثالهم.  ومن النساء: خديجة، وعائشة، وأسماء، وفاطمة، وأخواتها من بنات الرسول، وأم سلمة، وحفصة بنت سيدنا عمر، وهند بنت عتبة، وغيرهن كثيرات أيضاً.
سيدنا عمرو بن العاص:
وقد أوفده الرسول ﷺ إلى عمان جنوب جزيرة العرب، وفتح الله عليه، وأدخل أهل تلك البلاد الشاسعة بالإسلام، من غير حروب ولا معارك، وقام بالعديد من المعارك التي حالفه فيها النصر.
وشارك بأمر الخليفة أبي بكر، ثم عمر، ثم عثمان في فتح بلاد الشام (كل الشام: سورية، وفلسطين، والأردن، ولبنان).
ثم فتح مصر بعد قليل بتحريض سيدنا عمر بن الخطاب، وأخرج الرومان منها، ووحَّد أهلها مع المسلمين، وأبقى أكثرهم الذين اختاروا البقاء على دينهم. وفتح أوائل بلاد إفريقية، وفتح مصر مرة ثانية بعد الفتن التي قامت بعد استشهاد سيدنا عثمان بن عفان، وهذا لم يتم لأحد غيره، من الصحابة أو غيرهم من القادة.
وعمرو هذا كان محل نظر النبي ﷺ، ومحل إعجاب الصحابة الكبار، وإنك لتجد لكل واحد منهم كلمات رائعة قالوها فيه، وهي محل التقدير من كل الذين عاشروه وصاحبوه وتزاملوا معه. ويكفي شهادة عمر له، عندما كان يرى رجلاً هاملاً يقول: الذي خلق هذا، وخلق عمرو بن العاص واحد!
لقد وجدت في كتاب (عمر بن العاص.. القائد المسلم والسفير الأمين)، تأليف القائد محمود شيت خطاب، أحد إصدارات سلسلة (كتاب الأمة) التي تصدر عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في دولة قطر، من روح صاحبه عمرو بن العاص السهمي، ما جعلني متأثراً بما أجد من أخباره في صفحات كلها إعجاب وتقدير، وما فيها من بطولات ومواقف عقائدية، وعقلية، وإدارية، ومن الذكاء، والمعرفة، والفهم، والإيمان، ما يعجز الإنسان عن تصورها في واحد من الناس.
وقد سبق لي منذ سبعين سنة، أن عشت مع عدد كبير من جيل الصحابة، رضي الله عنهم، ومنهم سيدنا عمرو بن العاص، ثقافة واطلاعاً وعلماً، واتخاذهم محل الاقتداء والاتباع.
ولكن كنت أطلع على نتف من أخباره مفرقة موزعة في ترجمته، أو أنها مشتركة مع غيره من إخوانه الصحابة الكرام.
ولكن اليوم في كتاب أخي وأستاذي، القائد العسكري، والكاتب المتقن، الضابط المجاهد العالم محمود شيت خطاب، الرجل الكريم الموصلي من مدينة الحدباء، عمرها الله بالإسلام، وجدته قد جمع من أخبار هذا الصحابي الجليل، كل ما يملك من تفرغ للدراسة عنه. فما عليه – وأنا مثله- إلا الوقوف –مسلماً- مع ما كتب محمود شيت خطاب، وما حلل من أخباره ومعاركه وما وصل إليه من نتائج محقة.
وبقيت طوال ترددي ومراجعتي المتعددة، زمناً طويلاً أراجع هذا الكتاب القيِّم كذلك ما شاء الله لي.
ولهذا فإنني أدعو إخواني من أهل الجهاد والعلم وطلابه السائرين على نهج الصحابة –رضي الله عنهم أجمعين-راجياً الاطلاع على هذا الكتاب، ودراسته بتفهم وإمعان، لمعرفة أحوال رجل عظيم ظهرت عظمته باتباعه والاقتداء بسيدنا رسول الله ﷺ.
ولما اطلعت على الكتاب وقرأت التقديم، الذي كتبه أخي المربي الفاضل، والكاتب المفيد، الأستاذ عمر عبيد حسنه، فرأيت أفكاراً مهمة ومتجددة، فأشرت عليه بطباعته في رسالة مستقلة لأهمية ما فيها من معلومات، ورؤى منصفة لجيل خير القرون، فطلب إليَّ أن أقدم لهذه الرسالة.
فدهشت – والله- بما فيها من دراسة موسعة، حوت كل المعاني التي في الكتاب، وسيرة صاحبه الجليل، والمستفاد من الدراسات السابقة التي لا يتقنها – ولا يحسن نقلها- إلا من كان مثل الأستاذ عمر، ولا أكتمكم فقد أمسكت قلمي ونشرت صحائف اعتدت عليها في مثل هذه المناسبات، وباشرت بالكتابة، ولكنني -والله- ما كتبت سطراً إلا توقفت –الساعة والساعات- ثم اليوم والأيام! وأجدني عاجزاً عن الكلام، وحتى الدعاء!
ولا غرابة، فإن هذا الأخ الكبير قدراً ومكانة (وهو أصغر سناً مني) قد يسر الله له العناية الكبرى في «مجلة حضارة الإسلام»، التي أنشأها أستاذنا الدكتور الشيخ مصطفى السباعي، رحمه الله، ورأس تحريرها أخي الدكتور الشيخ محمد أديب الصالح، وكان مدير تحريرها أخي الأستاذ عمر عبيد حسنه؛ ثم انفرد بإصدار «مجلة الأمة» القطرية الغراء، كتب الله لها العودة.
وتولى العناية بمكتبة العالم الجليل الشيخ علي بن عبد الله آل ثاني، حاكم قطر الأسبق، الذي تشرفت بالعمل معه عشر سنوات بالمكتبة والطباعة والمرافقة، تغمده الله برحمته.
وتمكن أخي عمر من الإشراف على ما تُجري أوقاف دولة قطر من مسابقات علمية، وأدبية نافعة.
وما لا أعلم من نشاطات أخرى له، لا أجدها، ولا أطلع عليها، إلا بعد صدورها (مطبوعة ومنفذة) خالية مما اعتاده الناس في المطبوعات من إهمال وأغلاط، ولكن فيها زوائد وحواشي تحوي كل فائدة وعلم نافع (زاده الله تواضعاً).
وإنني وجدت في كتاب عمرو بن العاص والتقديم له ما يكفي العالم المطلع، والطالب المستفيد، والمؤمن المتقد قلبُه بحب الصحابة، رضي الله عنهم أجمعين، الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه.
فجزى الله القائد محمود شيت خطاب الخير، وأحسن الله مثوبته وكتب له الرحمة.
وأطال الله عمر أخي العلامة الأستاذ عمر عبيد حسنه، ويسر له الخير حيث كان.
وبارك في أهله وأولاده الذين وجدتُ فيهم، بحمد الله، ما وجدته في والدهم من دأب على العلم ونشره وتقديم النافع للناس، والله سبحانه قدَّرهم على ذلك.
والحمد لله رب العالمين.